الّشّكر والكفران

Loading...

الّشّكر والكفران

(الّشّكر والكفران – ١)إعلم أنّ الله جلّ جلاله أنعم عليك بنعم كثيرة عظيمة، خاصّة وعامّة. فالنّعم الخاصّة هى : مثل نعمة الإيمان والإسلام, ونعمة الوجود والعقل والعلم, ونعمة الرّزق والصّحة والسّلامة, ونعمة الأكل والشّرب والنّوم إلى غير ذالك من النّعم الّتى لاتعدّ ولاتحصى. وأمّا النّعم العامّة : فبأن خلق السّماء وما فيها من البحار والأنهار والجبال والرّياح والحيوانات والأشجار. قال تعالى (الله الّذى سخّر لكم البحر لتجرى الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلّكم تشكرون. وسخّر لكم ما فى السّموات وما فى الأرض جميعا منه. إنّ فى ذالك لأيات لقوم يتفكّرون- الجاثية:١٢-١٣).

 الّشّكر والكفران

(٢)فيجب عليك : أن تشكر ربّك على هذه النّعم. قال الله تعالى (فاذكرونى أذكركم وشكروالى ولا تكفرون-البقرة:١٥٢). وقال تعالى (فابتغوا عند الله الرّزق واعبدوه واشكرواله إليه ترجعون-العنكبوت:١٧). وإذا شكرت مولك : فلا شكّ أنّه يجازيك على شكره. كما قال تعالى (وسيجزى الله الشّاكرين-العمران:١٤٤) ويزيدك من نعمه. كما قال تعالى(لئن شكرتم لأزيدنّكم-إبراهم:٧) وأمّا إذا تركت شكره فإنّه يغضب عليك. كما قال تعالى (ولئن كفرتم إنّ عذاب لشديد: إبراهم:٧) ومن لم يشكر نعم الله عليك فقد غرّضها للزّوال. كما ورد فى الحديث : ألحمد على النّعمة أمان من زوالها.
وقال الشّاعر :
إذا كنت فى نعمة فارعها
فإنّ المعاصى تزيل النّعم
وحام عليها بشكر الإل
ـﻪ فإنّ الإله سريع النّقم

(٣) وكثير من النّاس غارقون فى نعم الله الكريم ولكنّهم غافلون عن شكره. كما قال تعالى (وقليل من عبادى الشّكور-سبا:١٣) ولاجرم أنّ فائدة الشّكر راجعة أليك و أنّ الله لايحتج إلى شكره أحدا (ومن يشكر فإنّما يشكر لنفسه ومن كفر فإنّ الله غنىّ حميد-لقمان:١٢) ومن دعوات النّبى صلّى الله عليه واله وسلّم اللهمّ اجعلنى شكورا واجعلنى صبورا واجعلنى فى عينى صغيرا وفى أعين النّاس كبيرا. وفى الحديث أيضا عجبا لأمر المؤمن : إنّ أمره كله خير وليس ذٰلك لأحد إلاّ للمؤمن إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرا له.
(٤) والشّكر صرف العبد جميع ما انعم الله عليه إلى ما خلق لأجله. وهو يكون بالقلب واللّسان والأعضاء. فالشّكر بالقلب أن تذكر ربّك دائما بحضور قلب مع المحبّة والتّعظيم, وتتصوّر جميع النّعم منه. والشّكر باللّسان أن تذكره بالتّحميدات الدّلّة على شكره وأفضلها كما فى الحديث : الحمد لله ربّ العالمين حمدا يوافى نعمه ويكافئ مزيده. وأن تستعمل لسانك فى قرۤاءة والحديث وكلام العلماء وفى ذكر الله والصّلاة على النّبى صلّى الله عليه واۤله وسلّم وكلام الخير. قال الله تعالى (لاخير فى كثير من نجواهم إلاّ من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين النّاس-النّساء:١١٤)

(٥) والشّكر بالأعضاء أن تقوم بعباده. فتصلّى وتزكّى ما لك. وتصوم وتحجّ البيت وتعمل بأعضائك مايرضيه.سبحانه وتعالى: فتمشى برجليك إلى طلب العلم وإلى الصّلاة وفى قضاء حوائجك وحوائج النّاس لاسيّما والديك وأساتذتك وتحذر أن تمشى بهما إلى معصيّة. كيلا تكفر نعمة الرّجلين. وتعمل بيديك فى قضاء أشغالك. وتخصّ اليد اليمنى بالأعمال النّظيفة. وفى الحديث كان النّبى صلّى الله عليه واله وسلّم يجعل يمينه لأكله وشربه ووضوئه وثيابه وأخذه وعطائه, وشماله لما سوى ذلك. وتعبد كلّ البعد من أن تؤدى بهما أحدا أوتضربه. أو تسرق ماله أوتخونه فى أمانة أو وديعة أو تكتب بهما ما لايجوز أن تتكلّم به فإنّ القلم أحد اللّسانين. وأمّا شكر نعمة العينين : فأن تنظر بهما إلى المصحف الشّريف والحديث المنيف والكتب النّافعة وتنظر الفقرآء والمساكين واليتامى والمنكوبين فترحمهم وتواسيهم وإلى الجهّال والضّالّين فتعلّمهم وترشدهم إلى سبيل نجاتهم وسعادتهم وتنزر بهما إلى مقاصدك الحسنة وإلى عجائب مخلوقات الله وتتفكّر فى عظمته وقدرته وأن لاتستعمل العينين فى لنّظر إلى المحرّمات أو إلى العورات وجاء فى الحديث لعن الله النّاظر والمنظور إليه أو فى التّجسّس على عيوب غيرك والنّظر إليه بالإحتقاروالإستهزاء. وفى الحديث طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب النّاس. وورد أيضا بحسب امرئ من الشّرّ أن يحقر أخاه المسلم. وشكر نعمة الأذونين : أن تستعملهما فى الإستماع إلى الخير كقرآت القرآن والمواعظ والعلوم وتحفظهما من الشّرّ كسماع الغيبة والنّميمة والكلام البذئ. وفى الحديث : إنّ المستمع شريك القائل وهو أحد المغتابين.
(٦)وعليك أن تستعظم نعم الله عليك بأن تنظر إلى من هو دونك فى أمور الدّنيا كى تشكر ربّك تعالى ولا تزدرى نعمه. وأمّا فى أمور الدّين فعليك أن تنظر إلى من هو فوقك, ليزداد نشاطك فى الخير وتعظم رغبتك فى الطّاعة.قال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: من نظر فى الدّنيا إلى من هو دونه ونظر فى الدّين إلى من هو فوقه كتب الله صابرا وشاكرا. ومن نظر فى الدّنيا إلى من هو فوقهه ونظر فى الدّين إلى من هو دونه لم يكتب الله صابرا ولا شاكرا.
وقال الشّاعر:
من شاء عيشا رحيبا يستطيل به
فى دينه ثمّ فى دنياه إقبالا
فلينظرنّ إلى من فوقه ورعا
ولينظرنّ إلى من دونه مالا
وإذا رأيت أحدا مبتلى فى دينه أو عقله أو بدنه أو فى غير ذالك, يسنّ لك أن تسجد سجود الشّكر لله على السّلامة من ذالك البلاء. ويسنّ أيضا أن تقول سرّا بحيث لا يسمعهالمبتلى لئلاّ يتألّم بذالك : الحمد لله الّذى عافانى ممّا ابتلاك به. وفضّلنى على كثير ممّن خلق تفضيلا, وورد فى الحديث : أنّ من قال ذالك لم يصبه ذالك البلاء دائما ماعاش.
(٧) ومن شكر الله تعالى : أن تشكر من صنع إليك معروفا وخصوصا والديك وأساتذتك. و فى الحديث أشكر النّاس لله أشكرهم للنّاس. وورد أيضا من أتى إليكم معروفا فكافئوه, فإن عجزتم عن مكافأته فادعواله حتّى تعلموا أن قد شكرتم فإنّ الله يحبّ الشّاكرين. وفى الحديث الأخر لايشكر الله من لايشكر النّاس. وأمّا الّذى لايشكر من أحسن إليه فهواللّئيم الخبيث النّفس. كما قال الشاعر:
أعلّمه الرّماية كلّ يوم
فلمّا اشتدّ ساعده رمانى
وكم علّمته نظم القوافى
فلمّا قال قافية هجانى

من الحقير الفقير المرتجى الى رحمة ربّه
عدى مطلع الهاد

Loading...

Subscribe to receive free email updates:

0 Response to "الّشّكر والكفران"

Post a Comment